تجب الكفارات في الشريعة الإسلامية لأسباب متعددة، يجمعها التصنيف التالي:
= السبب الأول: فعلُ ما كان مباح الأصل، ثم عرض تحريمه، كالوطء في الإحرام، أو في نهار رمضان.
= السبب الثاني: إرادة الإنسان حَل ما إنعقد لله من جهته، كالنذر واليمين، وتسمى تحلّة، لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التَّحريم:2].
= السبب الثالث: فعل ما لا إثم فيه، كالقتل الخطـأ.
هذا سبب وجوب الكفارة على سبيل الإجمال، أما خصوص الأفعال الموجبة للكفارة مما يتضمن التكفيـر بالعتـق، فهي:
*القتل الخطـأ: فكفارة القتل الخطأ على ما تبين الآية عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:92].
*الظهـار: تتحقق كفارة الظهار بعتق رقبة، فصيام شهرين متتابعين لمن لم يجد، فإطعام ستين مسكيناً لمن يستطع، لتشتمل كفارة الظهار على خصلة الإطعام زيادة على ما في كفارة القتل الخطأ، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ*فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة:3-4].
*الحنث في اليمين المنعقـدة: وهنا يلاحظ التخفيف في كفارة اليمين، نظراً لعدم عظم الإثم إذا ما قورن بالقتل أو الظهار، يقول تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:89].
*الإفطـار عمـداً في رمضان: بالوقاع تحديداً، خروجاً من الخلاف، لتكون كفارة الإفطار من حيث خصالها هي ذات خصال كفارة الظهار، ولتكون على الترتيب أيضاً، لما بين الفعلين الموجبين للكفارة من تشابه، فالمظاهر يحرّم زوراً ما أحل الله له، فيستحق عقوبة شاقة كي يرجع إلى الحل الشرعي السابق، وكذلك من يواقع في رمضان فقد تجرأ على مقارفة ما حرّم الله، فثمة تشابه بين سببي الكفارتين، ولكنه تشابه بطريق التقابل، بأن يحرّم المكلف على نفسه ما أحل الله له، أو أن يقارف ما نُهيَ عنه، وذلك مما يتعلق بقربان أهله.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَلَكْتُ، فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: «تَجِدُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ- فَقَالَ: «اذْهَبْ بِهَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ»، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ، فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» رواه البخاري.
وفي رواية أخرى، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أهلي في رَمَضَانَ، قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً»، قَالَ: لَيْسَ لي، قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا»، قَالَ لاَ أَجِدُ، فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا»، قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّى؟ وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، قَالَ «فَأَنْتُمْ إِذًا» رواه البخاري.
الكاتب: أ.د.إسماعيل أبو شرعية.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.